عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.           

ولتر عزيز: أمنيتي الكبيرة أن أغني في بغداد، ويجب أن أغني، لأني ابن الكمب الكيلاني

أجرى الحوار: كوريل شمعون

لما سأل أحدهم الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، لماذا لا تعود للعيش في وطنك الأصلي كولومبيا كي تبدع أكثر؟ أجابه بالقول: وهل اني لست أعيش في كولومبيا؟ صحيح لقد غادرت الوطن لكني ما زلت هناك، فخريف البطريرك والحب في زمن الكوليرا وغيرها هي قصص تجسد نوعاً من الحنين.

هذا الكلام ذكرّني بأعمال فناننا الكبير المغترب ولتر عزيز التي تعبر تعبيراً صادقاً عن معاناة الفنان الآشوري الحقيقي الملتزم. ولعل خير مثال على ذلك هو ما قدمه هذا الفنان من أغنيات تخلق محوراً قيمياً للعمل الفني المتكامل والذي يتلاحم معه ليعبّر عن دواخله وموروثه التاريخي والقومي المتراكم فيغني لوطنه –أرض النهرين– ولمسقط رأسه -كمب الكيلاني- ببغداد بدموع الشوق والحنين والأمل واللهفة الغامرة، ثم ينطلق في أسلوبية متفردة كفنان له حضوره الخاص والمتميز في عالم الغناء الآشوري الرحب، الى أن يرتقي سلم الشهرة والابداع ويمسي نجماً متألقاً بهياً في سماء الأغنية الآشورية المعاصرة، بل انه قد أوصل هذه الأغنية الى أرفع مستوياتها التقنية والأدائية والتعبيرية ليضعها بكل فخر وإجلال بمصاف أية أغنية عالمية متطورة لشعوب العالم عندما استطاع بجهده وعطائه ووفائه أن يسجل أغنيات أمته الآشورية بمرافقة كونسرت موسيقي معاصر يضم عدداً كبيراً من العازفين وبمختلف الالآت الموسيقية الأحدث، وبذلك فقد شكل عمله المتميز انعطافة تاريخبة جبارة في مسيرة الغناء الآشوري المعاصر. وقد أجرت "بيت نهرين" حواراً فنياً خاصاً مع هذا الفنان المتألق، فيما يلي نصه:

بيت نهرين: منذ متى بدأت الغناء؟

- كنت أهوى الغناء منذ صغري، حيث كنت "أدندن" بعض المقاطع الغنائية التي أسمعها، فترعرعت وأنا أغني في البيت والشارع والزقاق وفي أي مكان أستطيع فيه الغناء.

بيت نهرين: ومتى غنيت على المسرح لأول مرة؟

- عام 1974 في شيكاغو، وأول أغنية غنيتها في حفلة عرس كانت (ܡܐܲܝـܟ݂ ܚـܕܿ ܟܘܟ݂ـܒ݂ܐ ܓ̰ـܪܐܠܹـܗ ܗ̇ܘ ܚـܘܒـܟ݂) وهي للفنان الآشوري المعروف ايوان شمديناني وهو من كركوك.

بيت نهرين: وما أول أغنية خاصة بك؟

- (ܝـܠܕܿܐ ܪܦܝـ݂ ܐܝـܕܵܐ ܠܐ ܝـܛܥܝـ݂ ܒܝـܲܢ ܫܒ݂ـܒ݂̈ܐ) وهي أغنية ثنائية شاركتني في غنائها شقيقتي كلوديت.

بيت نهرين: ومن هو كاتبها؟

بيت نهرين: كاتبها هو ديفيد ابن المضمد ياقو الذي كان معروفاً في كمب الكيلاني بتلك الأوقات.

بيت نهرين: ومن قام بتلحينها؟

- من اللحن الفولكلوري.

بيت نهرين: هل هناك أي فنان تأثرت به في بداياتك؟

- في بداياتي كنت أغني مع فرقة King Band، كنت هنا أقدم الأغاني الانكليزية فقط. لم أغني بالآشورية، ولكن، عندما كنت في الوطن كنت أحب أغاني فناننا الراحل بيبا رحمه الله لكونها معزوفة بآلات موسيقية غربية.

 

بيت نهرين: وكيف اتجهت للغناء الآشوري؟

- بعد أن رأينا ان الغناء الآشوري بدأ بالانتشار، وأصبح مرغوباً جداً من قبل أبناء شعبنا في كل الأفراح والمناسبات، بدأت فرقتنا الموسيقية بتقديم الأغاني الآشورية، حيث كنت أغني مجمل الأغاني التي كنت أحفظها ولمختلف الفنانين الآشوريين ومنهم: الفنان سامي ياقو، حيث قدمت بعض أغانيه التي لم تكن معروفة هنا مثل (ܗܲܠ ܐܝـ݂ܡܢ، ܪܿܚـܘܫ ܪܿܚـܘܫ، ܠܵܐ ܓ̰ܪܒܬ ܝـܵܐ ܓ̰ـܘܲܢܩܵܐ) وغيرها.

بيت نهرين: ما أول تسجيل لك في ساحة الغناء الآشوري؟

- أول تسجيل لي كان (اسطوانة) تحوي أغنيتين هما (ܩܵـܡܘܕܿܝـܿ ܚـܠܝ݂ܬܝـ݂ ܟ̰ـܝـܪܬܵܐ ܝـܘܬܝ) و(ܙܡܪܬܝـ݂ ܐܿܚܵـܪܝـܬܵܐ).

بيت نهرين: ومتى تم تسجيلها؟

- عام 1975.

بيت نهرين: وكم أغنية لديك لحد الآن؟

- ما بين 120-130 أغنية.

بيت نهرين: ما أول ألبوم غنائي صدر لك؟

- أول ألبوم غنائي لي يتضمن 8 أغنيات.

بيت نهرين: ومتى تم ذلك؟

- في العام 1980.

بيت نهرين: وماذا عن كُتاب أغانيك وملحنيها؟

- أكثر من كتب لي هو كيوركيس شمعون يوسف. وبالنسبة للألحان، ففي البداية كنت أقتبس من الألحان التركية والفارسية والهندية والكثير من اليونانية، ومع مرور الوقت بدأت أضع الألحان بنفسي.

بيت نهرين: وهل لحنت لغيرك؟

- نعم في الثمانينيات لحنت 4 أغنيات للفنانة شميرام أورشان وهي (ܩـܘܪܒـܢܵـܐ ܥـܕܢـܐ، ܪܫـܐ ܕܫـܢܿـܬܵܐ، ܟـܕ ܦܠܝـܛـܬܵܐ ܝـܘܢ ܗܿܘܵܐ) وأغنية قومية أسمها (ܫـܡܥـܠܝـ݂ ܩܵـܠܵـܐ ܪܵܡܵـܐ).

بيت نهرين: عرفنا لحد الآن بأنك قد سجلت اسطوانة عام 1975 وألبوماً عام 1980، ثم ماذا؟

- ثم تواصلت في عملية الانتاج الفني الغنائي بين فترة وأخرى. ففي العام 1991 صدر لي ألبوم بعنوان (ܪܩـܕܵܐ ܕܚـܘܝـܵܕܐ ܐܬܘܪܝـܵܐ)، وفي العام 1997 صدر ألبوم Destiny (ܚـܠܩܵـܐ)، ثم Change (ܫܘܚـܠܵܦܵـܐ) عام 1998، وAway (ܪܲܚـܝ݂ـܩܵܐ) عام 2001، ثم أكيتو في 2005. وبعد ذلك الجنرال آغا بطرس الصادر عام 1982 أعدته بصورة محدثة جديدة عام 2008. وفي نفس العام صدر ألبوم Mesopotamia nights (ܠܝـܠܘܬ̈ܐ ܕܐܲܬܪܐ ܕܒـܝـܬ-ܢܗܪ̈ܝـܢ) وفي العام 2010 صدر لي ألبوم باسم Assyrian Hope (ܣـܒ݂ـܪܵܐ ܐܬܘܪܝـܐ)، ويتضمن 8 أغنيات، وفيديو كليب عدد 2. وأذكر من هذه الأغاني (ܟܲܡܒܵـܐ ܕܓـܝـܠܵـܢـܝ݂ـ، ܕܫـܬܵܐ ܕܢـܝـܢـܘܸܐ) وتجديد لأغنية (ܝـܠـܕܿܐ ܪܲܦـܝ݂ـ ܐܝ݂ـܕܵܐ).

بيت نهرين: ماذا تقول عن مستوى الأغنية الآشورية حالياً؟

- الشيء الذي لفت انتباهي وخاصة في السنوات الأخيرة هو ان الفنانين القدامى من جيلي أو من الجيل الذي سبقني، أراهم دائماً ينتقدون الأغنية الآشورية الحالية ويهاجمونها بشتى الأعذار. كما أنهم يفاخرون ويتباهون بأغانيهم الخاصة بحجة انها جميلة ولها نكهتها والى غير ذلك من الكلام، بيد اني أعتقد بأن العكس هو الصحيح، إذ لست أتفق فيما يقولون، نعم، فالأغنية الآشورية الآن هي أفضل بكثير مما كانت عليه في أيامنا. الآن هناك الكثير من الكتاب والموسيقيين والفنانين والفنانات، بينما في أيامنا كنا نقلد مطربين غرباء على أمتنا، فهذا متأثر بفريد الأطرش وذاك متأثر بألفيس برسلي والآخر بالمطرب التركي زكي موران، وهكذا كنا خمسة أو ستة فنانين. أما الآن فلدينا حوالي 200 فنان وفنانة وهذا عدد كبير جداً. ومن اولى حسناته انه يخلق جو التنافس بين هؤلاء، والتنافس بطبيعة الحال يولد الأفضل، وهذا شيء رائع، لأن من شأنه أن يرفع مستوى الأغنية الآشورية ويطورها نحو الأفضل والأفضل دائماً. نعم، هناك 200 فنان وفنانة متأثرون بمن سبقوهم من الفنانين الآشوريين والفنانات الآشوريات ويقلدهم جميعاً ولا يقلدون الغرباء والأجانب مثلما كان يحدث في أيامنا. فهؤلاء قد ملأوا الساحة الغنائية الآشورية بنتاجاتهم المستمرة ناهيك عن التطور التقني الهائل في الآلات الموسيقية المختلفة وفي الأجهزة الصوتية والغنائية والتسجيلية.

 

بيت نهرين: ما تقوله شيء عظيم حقاً.. أسألك الآن، هل هناك أي موقف محرج صادفك في حياتك الفنية؟

- في شيكاغو كنت أغني على المسرح مع فرقتنا الموسيقية، كان الازحام شديداً والصخب يملأ المكان، وسط هذا الجو يبدأ أحد عازفي الكيتار صارخاً بأعلى صوته وهو يطلب مني أن أتوقف عن الغناء وأعلن استراحة قصيرة، غير اني لم أكن أستطيع أن أسمع صوته اطلاقاً وبقيت أواصل الغناء بينما ظل هذا العازف يصرخ ويعزف في آنٍ واحد!! وبعد نصف ساعة بالضبط توقفت عن الغناء وأعلنت عن استراحة قصيرة، وبعد فترة نزولي من المسرح رأيت العازف المذكور وهو ما زال جالساً في مكانه على المسرح، فاتجهت نحوه وسألته، لماذا لم تنزل لترتاح قليلاً؟ فأجابني، ولتر.. لقد فات الأوان وبللت ملابسي، ولا أستطيع التحرك من مكاني!!. وهنا شعرت بأسفٍ شديد وبقيت حائراً في هذا الموقف المحرج والذي أتذكره تفصيلياً على الدوام.

بيت نهرين: حدث هذا في شيكاغو، وهل لديك أي موقف محرج حدث خارج شيكاغو؟

- نعم، في السويد بالتسعينات كنت أتواصل في الغناء على المسرح وبدون توقف والجمهور المحتشد منسجم معي بكل ارتياح، فجأة صعدت فتاة آشورية على المسرح وتوجهت نحوي مباشرة، ولما أصبحت قريبة جداً مني وقفت تتطلع في وجهي وأنا مستمر في الغناء، طال وقوف الفتاة واندهش الجميع، ولكن، ليس مثل دهشتي وحيرتي، وكلما طلب المشرفون على الحفلة منها النزول ترفض وتصرخ قائلة لن أنزل، وكلما صعد أحدهم ليمسكها وينزلها من مكانها كانت تقوم بردعه ودفعه نحو الخلف وهي تصرخ، ما أنزل.. ما أنزل، وأنا ما زلت مستمراً في الغناء والحرج يملؤني من كل جانب، فالفتاة لا تدير وجهها عني بل هي ترمقني بنظراتها الصافنة مباشرة في وجهي، وأنا لا أعلم ما أفعله سوى مواصلة الغناء من شدة الحيرة أمام هذا التصرف الغريب لهذه الفتاة الذي استمر على حاله الى ما انتهيت من غناء 4 أو 5 أغاني. ولكن، ما حدث بعد انتهائي كان الأغرب، إذ فجأة رمت الفتاة بنفسها علي وهي تحضنني وتقول لي: أحبك.. أحبك، وظل الجمهور يتفرج ولست أدري لحد الآن كيف مرّ ذلك الموقف الغريب المحرج الصعب الذي سوف لن أنساه أبداً.

بيت نهرين: ماذا عن طموحاتك الفنية المستقبلية؟

- لقد غنيت كثيراً من أجل أبناء أمتنا الآشورية، وأيضاً من أجل حقوقهم القومية المشروعة، وكان هذا من أهم طموحاتي منذ بداياتي الاولى في دنيا الغناء الآشوري. الى جانب ذلك كانت لي أمنية ظلت في قلبي على الدوام وهي أن أغني مع (كونسرت) لأننا قد شبعنا من الرقص والغناء كما يحدث في الحفلات الراقصة. هذه الأمنية قد تحققت في العام 2008 بمدينة موديستو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حينما غنيت مع الفنان المعروف آشور بيت سركيس مع كونسرت مؤلف من 23 عازف، حيث ظل الجمهور جالساً ويستمع بكل صمت وهدوء.

بيت نهرين: لقد كانت تلك الخطوة انعطافة فنية رائدة في مسيرة الغناء الآشوري المعاصر حقاً، خطوة تاريخية.

- شكراً.

بيت نهرين: وهل هناك طموحات قد تحققت أو لم تتحقق؟

- نعم في العام 2010 قدمت 10 أغنيات في موديستو أيضاً مع كونسيرتو مؤلف من 48 عازف وبمشاركة فرقة استعراضية من الفتيات والفتيان برقصات تعبيرية.

 

بيت نهرين: في هذا ال كونسرت هل يوجد أي عازف آشوري؟

- كلا، جميعهم أجانب.

بيت نهرين: وكيف عزفوا أغانيك؟

- بكل روعة، لأن هناك موسيقار شاب قدم من أورمي ويواصل دراسته الموسيقية في لوس أنجلس واسمه أدوين ايليا وعمره 28 سنة، وقد قام بتنويط كل الأغاني التي قدمتها مع ال كونسرت.

بيت نهرين: هذا شيء مفرح وعظيم حقاً، هل هناك أية كلمة أخيرة؟

- نعم، وسأبقى في عالم أمنياتي وطموحاتي، فهناك أمنية أخرى ظلت تراودني ليل نهار وهي أن أغني في وطن النهرين (العراق)، وفعلاً وصلت العراق 2008 وغنيت في دهوك ولكن، تبقى هناك الأمنية الأكبر والتي كانت وستبقى وهي أن أغني في بغداد. ويجب أن أغني، لأني أبن الكمب الكيلاني، وهناك لعبت الدعابل والمصارع (جونبولياتيه ومزرياتيه) وكرة القدم. وبعدها لا يهمني حتى إن اعتزلت الغناء.

مع شكري الجزيل لجريدة (بيت نهرين) الغراء، ولهيئة تحريرها ولقرائها، ولك شخصياً.

بيت نهرين: شكراً.